المقدمة:
إن من أعظم ما أصيبت به الأمة الإسلامية - بعد القرون الثلاثة المفضلة- اجتماع جحافل المغول على مركز الخلافة الإسلامية العباسية (بغداد) وتدميرها , بعد أن طافوا على بلاد الإسلام كالسيل الجارف , يسقطون الواحدة تلو الأخرى, يقتلون و يسفكون وينهبون, دون أن يتجرا احد من قادة المسلمين و جيوشهم على الوقوف في وجوههم أو التفكير في صدهم , بل إن بعضهم سلم حاضنة الأمة ومركز إشعاعها و حضارتها إلى المغول ؛ بل وأعانهم خوفا من بطشهم و طغيانهم , حتى حل ما حل ببغداد , مما يشيب له الولدان من أهوال و فظائع و جرائم ما زالت حية في ذاكرة التاريخ.
فمنذ سقوط بغداد على يد التتار و الأدب العربي يشهد ترجعا حثيث الخطى على مدى الأحقاب المتتابعة حتى انطفأت شعلته وبهت بريقه إلا من وميض باهت ينبعث من حين إلى أخر من بين دجور الظلام الذي عم الحياة الأدبية بنونها المختلفة واستنادا إلى حركة التاريخ فقد تبدل هذا الحال فر أواخر العقد الأخير من القرن الثامن عشر إذ فاق الأدب العربي من سباته و تحرر من جموده وبفضل هذه النهضة استعاد الأدب حيويته و نضارته وأصبح عاملا من عوامل تكوين ألامه و رافدا من روافد تقدمها و ازدهارها . ولقد كان الأدب العربي شعراً ونثراً قد بلغ في نهاية القرن عشر الهجري أدنى مستوى له منذ وصلت إلينا نصوصه من بداية العصر الجاهلي وخلال العصور الأدبية الأخرى.
كما سبقت مصر والشام البلاد العربية الأخرى في بداية النهضة الأدبية و قد عرفت كيف ومتى بدأت النهضة فيهما. ولقد أخذت هذه النهضة تنمو حتى بلغت بعد القرن الرابع عشر مبلغاً حسناً , وكان لابد لهذه النهضة من عوامل و أسباب تدع بها إلى الأمام و تساعد على تطوره وتعدد أساليبه وتبيان قوالبه حتى بلغ من رقي مستواه و تألق فنانيه . ويمكن أن نحصر أهم تلك العوامل فيما يلي:
عوامل نهضة الأدب العربي في العصر الحديث:
تقتضي نواميس الكون و سننه أن لكل حدث ذي بال عومل تسهم في ظهوره وتساعد على تطوره واستناداً إلى هذا المفهوم فإن لهذه النهضة الأدبية عوامل عدة أسهمت في بزوغ فجرها و أول هذه العوامل :
أولا: الحركات الدينية المعاصرة:
نشأت منذ منتصف القرن الثاني عشر الهجري حركات بعث وإحياء دينية قوية، شاعت في العالم الإسلاميّ، واستهدفت إحياء الإسلام الصحيح، وتخليصه من الشوائب التي شوّهت تعاليمه، وكان على رأس تلك الحركات الإصلاحية، دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب التي نشأت في نجد من شبه الجزيرة العربية منذ النصف الثاني من القرن الثاني عشر . كذلك كانت الدعوة السَّنُوسيّة في شمالي إفريقيا في النصف الأول من القرن الثالث عشر، والدعوة المهدية في السودان .وفي النصف الثاني من القرن الثالث عشر الهجري وفي ظل هذه الدعوات تبنّى بعض العلماء الدعوة إلى الوحدة الإسلامية، وتعليم المسلمين، وبثِّ الحماسة فيهم لطرد المستعر الأوروبي الذي كان قد اجتاح في عهده كثيرًا من دول الإسلام .وقد أثرت تلك الدعوات في المجتمع الإسلامي، وأسهمت في تطور الفكر الإسلامي الحديث، كما ظهر تأثيرها في الأدب العربي؛ حيث كان للثقافة الأصلية لأصحاب تلك الدعوات أثر كبير في الأدب من خلال الاهتمام بالمعنى، وترك تلك الأساليب الركيكة المثقلة بأنواع البديع. كما ظهر أثر تلك الدعوات الإصلاحية في الأدب العربي من خلال اتجاه الأدباء إلى الموضوعات التي تخدم الإسلام، وتقف أمام الدعوات العصرية كما ستعرف عند الحديث عن أدب الدعوة الإسلامية.
ثانياً: اليقظة الوطنية:
استيقظت مصر والأمة العربية بعد الحملة الفرنسية بقيادة نابليون من سبات عميق و فتحت عيونهم على حضارة جديدة لم يعدوها من قبل و تبين لهم أن غازي اليوم أكثر خطراً على قيم الأمة و معتقداتها غير أن ما حدث نتيجة هذه الحملة هو كالأتي:
1- إيقاظ الروح الوطنية و القومية والاعتزاز بها.
2- الاندفاع إلى طلب المعرفة و الاستفادة منها.
3- التمسك بهوية الأمة و الدفاع عنها.
و هكذا بدأت أولى الخطوات نحو نهضة شاملة.
رابعاً: الاتصال بحضارة العصر :
وفر الاتصال بالحضارة اله=عصرية التي كانت سائدة دفعة قوية للاستمرار بالنهضة الحديثة و نموها و شمولها لعدد من جوانب الحياة و كان لجهود ( محمد علي باشا) الذي طرد الفرنسيين من مصر في عام 1801م . ثم أصبح حاكما عليها اثر كبير في الاتصال بهذه الحضارة و الاستفادة من علومها و معارفها و قد تحقق من هذا الاتصال الأتي:
1- انتشار التعليم الحديث:
عمل محمد باشا على فتح العديد من المدارس العسكرية و المدنية على الطراز الأوروبي و استدعى البعثات العلمية من أوربا للتدريس فيها و, وأيضا قام بطرس في انشاء مدارس في الشام وقد اسهم خريجو هذه المدارس في حركة التحديث التي شهدتها المنطقة.
2-البعثات العليمة :
ارسل محمد باشا العديد من طلاب مصر و الشام إلى أوربا للدراسة في شتى المجالات العلمية المدنية و العسكرية , وكان أكثرها هددا تلك التي أرسلها إلى ايطاليا في عام 1813م و إلى انجلترا في عام 1831م وفد أسهم هؤلاء في التحويلات الاجتماعية والثقاية.
3-الترجمة:
أنشأت دار الاسلن في مصر برئاسة رفاعه الطهطاوي فعملت على تدريس اللغات الانجليزية و الفرنسية و الايطالية و التركية و كذلك فعلت مدارس (عين طوره)
في الشام فاتسعت دائرة متعلمين تلك اللغات و أسهموا في ترجمة لعض الكتب في القانون, والأدب,و التاريخ,و العلوم وغيرها فاستفادت اللغة العربية من ذالك إذ تم رفدها ببعض الكلمات الجديدة المعرية من المصطلحات العلمية في شتى المجالات .
4- الطباعة والصحافة:
عرفت مصر الطباعة منذ عهد نابليون ثم عهد محمد باشا حيث أنشئت مطبعة بولاق الشهيرة التي كان لها الأثر الكبير في نشر عيون التراث العربي الإسلامي
واحضر الأمريكيون مطبعة إلى بيروت في عام 1834م و كذلك فعل اليسو عيون
في عام 1748م وكان من أثار تأسيس المطابع أن ظهرت الصحف و المجلات كصحيفة الوقائع في مصر عام 1822م التي عملت على نشر الوعي القومي
5- الاستشراق:
أسهم المستشرقون في خلق نهضة أدبية في الوطن العربي من خلال نشرهم عددا من المخطوطات و الكتب القديمة بعد تحقيقها ومراجعة أصولها .فقد تحققت عدد من المزايا التي أسهمت في النهضة المعاصرة وهي:
1- انتشار التعليم و تحسين نوعيته و تعدد مشاربه.
2- تعاظم الانفتاح على الثقافة العالمية.
3- الإطلاع على كنوز المعرفة العلمية و الرؤى الفكرية العالمية من خلال الترجمة.
4- الاستفادة من وسائل المعرفة الحديثة كالطباعة .
5- إسهام المستشرقين في التنبيه إلى قيمة التراث و ضرورة حمايته.
أما الأدب بصورة خاصة فقد تحقق له الأتي:
1- إثراء اللغة بمصطلحات علمية معربة.
2- العناية بالأسلوب ورقة اللفظ و سلاسته.
3- ظهور الشعر الفصصي و التاريخي .
4- ظهور الفن المسرحي بنوعيه الشعري و النثري.
خامساً: إحياء التراث:
يعد هذا العام من أهم العوامل و أشدها تأثيرا في التحولات التي واكبت عصر النهضة.
سادساً: الجتامع العلمية اللغوية:
قامت تلك الجهود بدور كبير في المحافظة على سلامة اللغة العربية , وجعلها وافية بمطالب العلوم و الفنون وإمدادها بكثير من الكلمات العصرية