الخليل إبراهيم وهاجر وإسماعيل.. وقفة في الطاعة
لمشاهدة الصورة بحجم اكبر إضغط علي الصورة
* تيسير الزايد
ما أن يأتي شهر ذي الحجة وتقترب أيام الحج إلا ونستحضر في أذهاننا قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام، تلك القصة التي غرست في داخلنا ونحن صغار نخطو خطواتنا الأولى في هذه الدنيا، وكبرنا وكبرت معنا، وفي كل مرحلة من مراحل حياتنا نقرؤها ونفهمها بشكل جديد.
واليوم استوقفني مفهوم الطاعة الذي ملأ أركان تلك القصة سواء لله أو للأب أو للزوج، فها هو سيدنا إبراهيم يمتثل لأمر ربه ويطيعه؛ فيأخذ ابنه وأُم ابنه ويهاجر بهما إلى مكان لا يوجد به أحد ولا ماء ولا طعام ويتركهما، فلما توارى عنهما وراء ثنية، دعا ربه سبحانه، وأظهر حزنه، وأظهر الشفقة التي كان يخفيها عن هاجر وعن ابنها، قال تعالى عنه: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) (إبراهيم/ 37).
وها هي هاجر تسير خلف إبراهيم، وهي تقول: إلى من تتركني في هذا المكان الذي لا إنس فيه ولا ماء ولا طعام؟! ويتركها إبراهيم وينصف حتى لا يظهر التأثر أمامها، ثمّ تسأله مرّات، فإذا بها تقول: آلله أمرك بذلك؟ قال: نعم، قالت: إذاً، فلا يضيعنا. فكان عندها الثقة بالله عزّ وجلّ، وأنّ الله طالما أمر إبراهيم بذلك فإنّ الله لن يضيعها هي وابنها، فتلك المرأة بمجرّد علمها بالأمر الرباني أطاعته وأطاعت إبراهيم.
وإسماعيل الذي يظهر أعلى درجات الطاعة عندما قال لأبيه: (... يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) (الصافات/ 102)، بعد أن أخبره أبوه إبراهيم عن الرؤية التي رآها، وها هو إبراهيم يطيع أمر ربه مرّة أخرى ويرفع القواعد من البيت العتيق امتثالاً لأمره (وَإِذْ بَوَّأْنَا لإبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج/ 26-29).
وفي قصة إبراهيم مع زوج إسماعيل صنف آخر من الطاعة قدمها إسماعيل، إذ استأذن إبراهيم سارة أن يذهب لزيارة هاجر وإسماعيل (ع) فأذنت له، وشرطت عليه ألا ينزل، فوافق وتوجه نحو مكة، وقصد المكان الذي تركهما فيه، فوجد هاجر قد ماتت، ولم يجد إسماعيل (ع)، فسأل امرأته عنه وعن أحوالهما، فأخبرته أن زوجها خرج للرزق، وشكت له سوء الحال، فأخبرها أن تقرئ زوجها السلام وأن يغير عتبة بابه، ففهم الإبن أن والده قد زاره ويأمره أن يطلق زوجته ففعل، وفي الزيارة الثانية لسيدنا إبراهيم (ع) قابلته الزوجة الثانية بترحاب وأدب، ولم تشك سوء الحال وأثنت على الله سبحانه وتعالى، وأحسنت إلى الأب، فأخبرها أن تقرئ زوجها السلام، وتخبره أن عتبة بابه قد استقامت، ففهم الإبن رسالة الوالد، وأنّه طمأنه على حاله وعلى أهله.