أحلام الشباب
استلقيت
على ظهري في فراشي بعدما أطفأت المصباح ، وغمست عيني في ظلام حالك ،
وأتبعتهما بحركة ذهنية ساكنة تلامس الأفكار وتقلبها فكرة تلوى الأخرى حتى
استقرت في الأخير عند أهمها ، والتي كثيرا ما راودتني وشدت اهتمامي في السر
والعلن هذه الفكرة التي شغلت بالي وحولتني عن كل الاهتمامات .
أصبح ذهني معلقا بها ويأمرني من حين لآخر بتنفيذها ، واستثمارها في وقتها عساها أن تكون سببا في تغيير مجرى الحياة.
هذه
الفكرة التي كنت أوحي بها لأصدقائي وأحبائي ، وكنت من المشجعين لها ، حتى
سئم مني بعضهم ، وطلبني إلى الجلوس على انفراد للبحث في تفاصيلها ودقائقها ،
بعيدا عن أنظار الناس وأسماعها ، وراحوا يحذرونني ويقنعونني بأن أتخلى
عنها ، لأنها مغامرة محفوفة بالمخاطر، فاستهنت النصيحة وركبت رأسي مصرا
عليها لأنها هي الحل في هذه الحياة التعسة التي حرمتني من ملاذ الحياة ،
إنها فكرة الهجرة إلى ما وراء البحار ، إلى الجنة ونعيمها وفي خضم هذا
الصراع الشفهي بدأت أركن إلى النوم شيئا فشيئا حتى غصت فيه.
وفي الغد
وكالعادة التقيت بأصدقائي بيوم مشرق،و بشحنة جديدة ، وبعزيمتي المعهودة
لديهم خضنا الفكرة من جديد وكنت رائدا لها ومشجعا ، وبينما نحن كذلك ، طلع
علينا رجل شديد بياض الوجه شديد سواد العينين ، إنه إمام مسجدنا الشيخ عمر
، وسرعان ما ابتسم في وجوهنا وألقى علينا السلام ، فرد الجميع له التحية ،
فدعاه أحد الأصدقاء المقربين منه ، وطلب منه النصيحة ودخلنا الموضوع من
بابه الواسع ، حملق الشيخ في وجوهنا وقال متعجبا : أولادي يجب أن نؤمن
بقضاء الله وقدره في هذه الحياة ، وقال أنتم تبحثون عن السعادة من قال لكم
أنها من وراء البحار..؟
أقسم الشيخ بالله قائلا :والله لو كتب الله
لأحدكم السعادة لكانت له ولكان في قاع الشقاء ، ولو كتب الله الشقاء لأحد
لكان له ولو كان في قلب النعيم من وراء البحار كما تزعمون ، ولن يجني
بعدها سوى الندم والحسرة، وكم من شاب هاجر متخفيا وكتب له النجاة بعد
المغامرة كاد أن يفقد حياته فيها ووصل بسلام إلى ما وراء البحر ، ثم رأى
بأم عينيه الذل والمهانة ، والعناء والشقاء ، خرج من أرضه سيدا مكرما
محترما شامخا شموخ الجبل حرا طليقا ، حتى أصبح مكبلا مهانا في أيدي من لا
رحمة لهم ولا شقه ، يسمع من الكلام ما يزيده مهانة واحتقارا وإذلالا ، ثم
قال الشيخ : وهل خلق الإنسان ليسعد بالذل والمهانة ، ويحقق هدفه الدنيوي
الزائل على حساب كرامته وعزته ، وبدأ كلامه يسري في مخيلتي مسرى الدم في
العروق.
قال الشيخ بعد تأمل وتدبر محملقا بعينيه في وجو هنا : بلادكم
تناديكم وتنتظركم موفرة لكم كل أسباب الحياة ، وأنتم لست أدري تجهلون أم
تتجاهلون مساعيها في هذا المجال.
بالأمس قرأت في الجرائد ما يجعلني أستبشر خيرا ، البنوك مفتوحة على مصراعيها للشباب للاستثمار ، فأين أنتم من هذه النداءات.
اذهبوا وتحسسوا منها ما يشد اهتمامكم ويصون كرامتكم ويشفي غليلكم وسيوفر لكم الله منها أسباب الزق والغناء .
الكاتب : بوتمجت اراهيم